الإسلام

هل يجوز الترحم على أهل الكتاب وما هو حكم الترحم على غير المسلمين ؟

إن الشريعة الإسلامية تتمتع بالسماحة، حيث حثتنا على التحلي بخُلق الإسلام، وحُسن المعاملة لغير المسلمين، وكان ذلك جليًا في كثير من المواقف للنبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب، والتي كانت سببًا في دخول كثير منهم للإسلام.. إلا أن الشرع نهانا عن بعض الأفعال التي تمس ديننا وشريعتنا، ولكن هل الترحم على غير المسلمين غير جائز؟ هذا ما نُجيب عنه تفصيليًا.

حكم الترحم على غير المسلمين

لا يجوز الترحم على أهل الكتاب، سواء أكان هذا الترحم لموتى اليهود أو النصارى، لأن الله عز وجل قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته أن يستغفروا لغير المسلمين ولو كانوا أقاربًا، فكان ذلك دليلًا على عدم الجواز.

كما قد وردت كثير من الآيات والأحاديث النبوية التي تنهى عن الترحم على الكفار، من ذلك:

  • قول الله عز وجل في سورة التوبة: “مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)”
  • ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: ” زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي.”
  • ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “والذي نفْسُ محمدٍ بيدِهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، لا يهودِيٌّ، ولا نصرانِيٌّ، ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كان من أصحابِ النارِ.”

تلك الأدلة فيها نهي صريح عن الترحم على أهل الكفر، ويقسم النبي في هذا الحديث أنه لا يعلم أحد بعده برسالته إلا وجب الإيمان به، فمن لم يؤمن ومات كافرًا استحق دخول النار بسبب كفره وتكذيبه، بالتالي لا يجوز الدعاء لمن كان دخول النار في حقه آكد.

قول الله تعالى: “وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ” (التوبة/114) فسيدنا إبراهيم عليه السلام قد تبرأ من ابيه عند موته ولم يستغفر له، ولو كان الاستغفار والترحم على الموتى جائزًا كان حري أن يستغفر سيدنا إبراهيم لأبيه.

قول الله عز وجل في سورة الأعراف: ” ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)”

قوله “لا يحب المعتدين” يقصد المعتدين في الدعاء، وأن الاعتداء في الدعاء هو سؤال العبد ربه أمرًا لن يفعله، وذلك من سوء الأدب مع الله عزو وجل.

فقال ابن القيم في تفسير الآية: ” ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك.”

فضلًا عن ذلك فإن سيدنا نوح عليه السلام لما طلب من الله -عز وجل- أن ينجي ابنه من العقاب بعد أن رفض ركوب السفينة فمات كافرًا؛ نهى الله سيدنا نوحًا أن يطلب منه المغفرة له.

قال تعالى: ” وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ” سورة هود (آية: 45-46)

فعلى الرغم من كونه ابنه وأغلى ما يملك فقد نهاه الله عن الشفقة به وطلب المغفرة له، وتلك الأدلة تجيب دلالة واضحة عن تساؤل هل يجوز الترحم على أهل الكتاب.

آراء العلماء في الترحم على الكفار

أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يترحم على الكافر فلا يجوز له الدعاء بالرحمة ولا المغفرة.

  • قال النووي: ” وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ “
  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنَّة والإجماع.”

كما قالوا إن الدعاء بالرحمة والمغفرة للكافر بعد موته يتعارض مع كتاب الله عز وجل سنة رسوله، إذ إن الأدلة من القرآن والسنة على كون الكافر مخلد في النار ومطرود من رحمة الله كثيرة؛ فكيف يمكن القول بجواز الترحم عليهم إذًا!

لا يفوتك أيضًا: هل المسيحي الشهيد يدخل الجنة ؟ وهل يجوز الترحُم عليه

هل يجوز تعزية أقارب غير المسلم؟

هل يجوز الترحم على أهل الكتاب

يجوز للمسلم أن يقوم بتعزية أقارب غير المسلم وزيارتهم، وهذا لا يتعارض مع عدم جواز الترحم عليهم، فإنه يقوم بتعزيتهم بكلمات تحثهم على الصبر، ويختار ألفاظ التعزية التي تتناسب مع حالهم، دون الترحم عليه أو الدعاء له بالمغفرة، ويمكن الاستدلال على ذلك بكثير من الأدلة، منها:

  1. أن الله عز وجل أجاز البر والإحسان لأهل الكتاب، فقال:

“لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (سورة الممتحنة: الآية 8)،

  1. والتعزية داخلة في عموم البر والإحسان.
  2. القياس على جواز زيارة المرضى غير المسلمين، فكما يجوز زيارتهم ومعاودتهم في مرضهم، جاز تعزيتهم والوقوف بجانبهم حال حزنهم، إذ إن الهدف من كلاهما هو مواساة المصاب والتخفيف عنه.

لا يفوتك أيضًا: هل يجوز سب فرقة بتس BTS وشتمها ؟

الدعاء لغير المسلمين بالهداية

استكمالًا للإجابة عن تساؤل هل يجوز الترحم على أهل الكتاب، يمكن القول بأنه يجوز الدعاء للكافر بالهداية، كما يجوز للمسلم أن يؤمّن على دعاء الكافر لنفسه بالهداية ودعاءه بنصرة الإسلام والمسلمين.

ذلك أن طلب الهداية يكون للجمع، وستدل على جواز ذلك من خلال سنة النبي -صلى الله عليه وسلم.

إذ جاء في الحديث المروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه أنه- قال: ”

جاء الطُّفَيلُ بنُ عمرٍو الدَّوسيُّ إلى نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّ دوسًا قد عصَتْ وأبَتْ فادعُ اللهَ عليهم فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (اللَّهمَّ اهدِ دَوْسًا وائتِ بهم)” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2937 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (2937)، ومسلم (2524)

ففي هذا الحديث دلالة واضحة على جواز الدعاء لغير المسلمين بالهداية.

  • قال النووي: ” وأما الدعاء له بالهداية فمستحب، وأما التشميت فيستحب تشميته، بأن يقال له: يهديكم الله، كما جاء به الحديث، ويجوز غسله إِذا مات، وزيارة قبره، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة.”
  • قال إبراهيم النخعي: ” لا بأس أن يقول لليهودي والنصراني: هداك الله.”

لا يفوتك أيضًا: صيغة دعاء يوم الجمعة في شعبان مكتوب 1444

زيارة قبر الكافر والصلاة عليه

ذكر العلماء أنه يجوز زيارة قبر أهل الكتاب، إلا أنه لا يجوز الصلاة عليهم، واستدلوا على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: ” مرَّت بنا جَنازةٌ، فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وقُمنا معَهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ! إنَّما هيَ جَنازةُ يَهوديَّةٍ؟! فقالَ: إنَّ للمَوتِ فزعًا، فإذا رأيتُمُ الجَنازةَ، فقوموا.” الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 1921 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1311)، ومسلم (960)، والنسائي (1922) واللفظ له، وأحمد (14427)

روي أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أنْ أسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، واسْتَأْذَنْتُهُ أنْ أزُورَ قَبْرَها فأذِنَ لِي.” الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 976 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

  • ولأن الغاية من زيارة القبور هو تذكر الموت وأخذ العظة والعبرة.

كما يجوز له أن يمشي في جنازة قريبة غير المسلم، وذلك ما لم يرى فيه العلماء باسًا، فقد قال النووي: ” ويجوز للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر، وأما زيارة قبره فالصواب جوازها وبه قطع الأكثرون.”

أما عن زيارة المسلم لأحد قبور غير المسلمين على سبيل التعظيم او التكريم فإنه أمر محرم شرعًا ولا يجوز، لأن تعظيم القبور فيه شرك بالله عز وجل، وتعارض مع عقيدة التوحيد التي تجعل العبادة والتعظيم لله عز وجل.

لم ينهانا الإسلام عن المعاملة الحسنة والخلق الطيب مع من كفوا أذاهم عن المسلمين ممن ليسوا منهم، إلا أنه لا يمكن التهاون ببعض الأمور، مثل معايدة أهل الكتاب في أعيادهم، أو الترحم على موتاهم.

زر الذهاب إلى الأعلى