قصص و روايات

قصة هارون الرشيد والمرأة البرمكية

إن الخليفة هارون الرشيد واحد من الخُلفاء العباسيين؛ بل أشهرهم، فقد كان صيته مُنتشرًا في عصره وإلى الآن؛ لما عُرف عنه من دهاء وحِنكة..

فضلًا عن امتياز عصره بالازدهار الثقافي والديني، وقد أوضحت روايات عِدة فِطنته والقُدرة الكبيرة على الفهم، فكانت أبرزها قِصته من المرأة البرمكية.

قصة الخليفة هارون الرشيد والمرأة البرمكية

قصة هارون الرشيد والمرأة البرمكية

بينما كان الخليفة هارون الرشيد جالسًا مع أصحابه، دخلت عليه امرأة برمكية مادِحة إياه، قائلة: “يا أمير المؤمنين، أقرّ الله عينك، وفرّحك بما أتاك، وأتمّ سعدك، لقد حكمت فقسطت، زادك الله رفعة“.

والمرأة البرمكية هي إحدى نِساء آل برمك الذين ظلمتهم فأخذت منهم أموالهم، وقُمت بسلب نوالهم.. وقتلت من رجالهم.

فقال هارون الرشيد: أما المال فيُرد إليكِ، وأما قتل الرجال فهو أمر الله فيهم وقد قضيته.

ردّ عليها هارون الرشيد سائلًا: مِمن أنتِ يا امرأة؟

حينها التفت هارون الرشيد موجهًا حديثه لأصحابه قائلًا: أفهمتم ما يعني قول المرأة البرمكية؟ فردوا قائلين: ما كان حديثها إلا خيرًا.! وقد كان هارون الرشيد ضليعًا بالبلاغة واللُغة، فتمكّن من فَهم مقصدها، فقال لهم: أخطأتم فلم تدروا ما قصدت.

  • قولها “أقرّ الله عينك” يعني: أوقفها الله عن الحركة قاصدة الدُعاء بالعمى.
  • وفرّحك بما أتاك“: قاصدة قوله تعالى: “حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً” (سورة الأنعام: 44).
  • وأتمّ سعدك“: مما قاله الشاعر “أبو بكر الخوارزمي”: “إذا تمّ شيئًا بدا نقصه ** ترقّب زوالا إذا قيل تم“، أي داعية عليه بزوال السعادة ونقص تمامها، حاثّة إياه على تدُبر حال الدُنيا، فجميعنا مصيره الزوال ولا يبقى إلا وجه الله تعالى.
  • لقد حكمت فقسطت“: قاصدة قوله تعالى: “وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا” (سورة الجن: 15)
  • “زادك الله رفعة”: قاصدة ما قاله الشاعر “أبو العتاهية”: “ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع”، أي أنه مهما بلغت نفوذه وقوته سيأتي اليوم الذي ينتهي حُكمه ويسقط فيه.

الأمر الذي أثار إعجاب أصحاب الخليفة مُتعجبين من بلاغة المرأة والعِلم الغزير، فكان ظاهر قولها الدُعاء والخير.. إلا أنها قاصدة الدعاء عليه بالشر، دون أن يلحظ أحد مقصدها من كِبار بُلغاء القوم.

  • بعدها قام هارون الرشيد بالالتفات إليها قائلًا: ما دافعك خلف هذا القول؟
  • المرأة البرمكية: لقد قُمت بقتل قومي ومسّ الضرر أهلي.
  • هارون الرشيد: من هُم قومك وأهلك؟
  • المرأة البرمكية: البرامكة.

أراد أن يُهديها الهدايّا والعطايا الثمينة، إلا أنها أبت ذلك وغادرت في سبيلها.

لا يفوتك أيضًا: ماذا قال قيس بن الملوح عندما طعنوه بالسيف

علاقة الخليفة هارون الرشيد والمرأة البرمكية

كانت بداية العِلاقة بين الخليفة هارون الرشيد والبرامكة جيّدة، إذ عيّن عددًا منهم ولاة على البلاد لإدارة شؤونها.

فقاموا بتأدية واجباتهم على أفضل وجه وأكمله، فأسند إدارة الشؤون بدايةً إلى “يحيى البرمكي”، ولِما عُرف عنه وعن أسرته بالمهارة والدقة عمِل معه ولداه في الإدارة.

ثُم وُليّ “جعفر البرمكي” رسميًّا من الخليفة هارون الرشيد لإدارة شؤون مصر والشام، لما ثُبت عنه من حُسن إدارة ومهارة، كما أحبّه الخليفة فجعله مُجاورًا له في بغداد من أجل استشارته ومُساعدته في شؤون الإدارة فعظمت سُلطة جعفر وزادت نفوذه.

إلى أن شعر الخليفة أن سُلطان البرامكة بدأ يشتد ويُؤثر على سُلطانه وسلامة دولته وأمنها، فكثُرت الدسائس بينهم، واضطر إلى الخلاص منهم بكُل ما يتصل بهم، فقام بمُصادرة أموالهم، وأدخلهم السجون، وقام بمُعاقبتهم.

كما أصدر أمرًا بعدم رثاء البرامكة في الأشعار، وتوفي يحيى البرمكي وأنه في سجون الرشيد في حياته، إلى أن عفا الأمين هارون الرشيد عمّن تبقى منهم في السجون، وهكذا انتهى مآل البرامكة وانتهى الصراع الوهمي على الحُكم..

لا يفوتك أيضًا: من هو النبي المدفون في الجزائر

وجه الاستفادة من قصة هارون الرشيد والمرأة البرمكية

قصة هارون الرشيد والمرأة البرمكية

  • الذكاء الشديد الذي يتمتع به الخليفة هارون الرشيد.
  • دور البلاغة والتورية في تغيير الكلام ومعانيه من جيّد إلى سيء.
  • الحِنكة والمهارة البلاغية لازمة للتعامُل مع الأمور بذكاء.
  • قُدرة المرأة البرمكية على توجيه ما تُريد من القول دون أن يستشعر أحد مقصدها.
  • لزوم هارون الرشيد الحذر في الردّ معها، ويظهر ذلك في الإيجاز والاختصار الذي شمله الرد.
  • لم يُكثر القول معها وأعاد إليها أموال أبنائها التي تمت مُصادرتها.

إن البلاغة العربية لها دور كبير في الكلِم ومعانيه، فهي من المهارات اللغوية العظيمة التي يجب أن يتمتع بها سادّة القوم وكُبرائهم؛ للتفاهُم مع الآخرين بمهارة كما تمتع بها هارون الرشيد..

زر الذهاب إلى الأعلى